فصل: الآثار الباقية من البيمارستان المنصوري قلاوون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ البيمارستانات في الإسلام



.الآثار الباقية من البيمارستان المنصوري قلاوون:

لعبت بالبيمارستان المنصوري يد الزمان، فأصبح أثرا بعد عين وعفت آثاره، وزالت معالمه، ولم يبق منه سوى النزر اليسير من رسومه ومرافقه. ولما كانت لجنة حفظ الآثار العربية هي المنوط بها المحافظة على مثل هذه الآثار القيمة والعناية بما أبقته يد التخريب رأينا أن نأتي هنا بما كتبه المؤرخ المهندس العالم مكس هرتزبك كبير مهندسي اللجنة، عن حال المارستان الحاضرة منقولا عن محاضر جلساتها المندرجة في مجموعتها السابعة والعشرين الصادرة في سنة 1910م صفحة 141 قال:
المارستان المنصوري هو من أهم عمائر الفن العربي في مصر ولم يبق منه في الوقت الحاضر إلا بقايا نادرة هي:
1 - جزء من الإيوان الشرقي وفسقية من الرخام والقاعة القبلية وبعض ألواح منقوشة في سقف الإيوان البحري وتدل التحلية الجبسية في بعض النوافذ التي لا تزال موجودة على حالها في الردهة الشرقية وأعمال الفسيفساء في الفسقية، على أن وخارف المارستان لم تكن تقل نفاسة عن زخارف التربة التي هي أسلم بناء حفظ للآن من أبنية قلاوون، وتوجد في آخر ردهة المارستان القديم الملاصقة للإيوان الغربي من المسجد، ولا تزال جهتان من حافته مكسوتين بخطوط من الرخام الملون وقاع الفسقية مغطى بالفسيفساء الدقيقة الصنع جدا ولا تزال سليمة وهي مكونه من جزأين: فراغ مستطيل مسطح في وسط جزء مربع مجوف. وكان الماء يأتي إلى الفسقية كما يكون في الفساقي العمومية يخرج من جدار القاع بأنبوب ثم يجري فوق لوح من الرخام كالسلسبيل في الفساقي العمومية. والبناء المسند فوقه لوح الرخام لا يزال قائما.
واللوحة الخامسة عشر من كتاب بسكال كوست تبين صورة البيمارستان. وفي اللوحة التالية قطاع أفقي للبيمارستان مار بردهة البيمارستان التي في وسطها الفسقية، وقد اعتمد المؤلف على كثير من الأصول لإعادة تخطيط البيمارستان، وعلى الأقل المعالم الكبير منه فعدد 25 في الرسم المذكور يدل على الردهة المسماة قاعة الناقهين من الرجال والفسقية مبينة فيه بعدد 43 وهكذا. ويخرج من الفسقية قناة تخترق القاعة بطولها وهذا النظام يشبه مثيله في قصر الحمراء وفي قصر زيزا.
والمظنون أن هذا النظام كان شائعا في القصور في جميع البلدان الإسلامية. وقد أفاض المقريزي في الكلام عن معلومات قيمة عن هذا البيمارستان الذي يعد أشهر مارستان في العصور الوسطى وذكر الشاذروان الذي فيه والفسقية التي تعد المثل الوحيد من نوعها.
وفي سنة 1905 صحت عزيمة لجنة حفظ الآثار العربية على الاحتفاظ بالأجزاء القديمة التالية:
1 - بقايا الإيوان الشرقي حيث توجد فيه ثلاثة منافذ بزخرفها، ونظرا لحالة التلف القائمة بهذا الإيوان يجتهد في حالة تعذر الاحتفاظ بأجزائه القيمة في أماكنها في أن تنقل إلى المتحف، وإلا يكتفي بعمل قوالب منها بالملاط اجتنابا لتهدمها التدريجي بفعل الزمن.
2 - قوس الإيوان الجنوبي وزخارفه الجبسية النفيسة.
3 - الإيوان الغربي ولا سيما طرف هذا الإيوان حيث توجد زخارف مغطاة بطلاء حديث.
4 - الإيوان الشمالي المطل على الحوش الوسطاني: لم يحتفظ بشكله الأصلي ولا يزال قوسه الكبير موجودا، ولكن سد جزء منه للمساعدة على تثبيت ثلاث أقواس بالبناء بالحجر المنحوت خلافا للموجود في الإيوانات الأخرى التي هي مبنية جميعها بالطوب الأحمر. ولو أن اختلاف مادة البناء هذا دليل واضح على أن الإيوان الشمالي جدد بناؤه فإن القسم الفني يرى مع ذلك وجوب الوصاية بالاحتفاظ به.
5 - القاعة الكبرى المربعة في جنوب المارستان المذكورة في تقرير عدد 341 والتي تشتمل على عمد من الرخام وأقواس عني بتشابهها بعضها لبعض وقد كشفت حديثا بعناية كبير مهندسي اللجنة.
ويرى القسم الفني أنه يتعذر الاحتفاظ بهذه القاعة بسبب بعدها من مجموعة الأجزاء المهمة في هذا الأثر والتي سبق ذكرها، إلا إذا ألحقت كما هي بالبناء الجديد لمستشفى، وفي حالة تعذر إلحاق هذه القاعة بالبناء الجديد تنقل من مكانها الحالي ويعاد بناؤها في حوش جامع الحاكم.

.الكتابات الأثرية في البيمارستان المنصوري:

فوق الباب المعد للدخول إلى المدرسة والقبة والمارستان الكتابة الآتية:
1 - أمر بإنشاء هذه القبة الشريفة المعظمة والمدرسة المباركة والبيمارستان المبارك، مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي. وكان ابتداء عمارة ذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة والفراغ منه في جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة.
وعلى فخذي باب الدخول أسفل البوابة الكبرى، لوحان من الرخام ملصقان على ارتفاع مترين من الأرض على يمين الباب ويساره، سعة كل منهما 70 في 70 سنتيمترا ومنقوش عليهما الكتابة الآتية المركبة من سبعة سطور بالخط النسخي الملوكي والحرف الدقيق وهي كثيرة النقط قليلة الحروف اللينة وصورتهما واحدة إلا اختلافا قليلا وهذا نصها:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على حمد وآله، لما كان بتاريخ يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة 791 في نظر المقر السيفي قان تمر، نصره، برز المرسوم الشريف السلطاني الملكي المنصوري الصالحي خلد الله ملكه، أن ينعم على مستحق ريع وقف البيمارستان المنصوري ما يخص بيت المال السلطاني من إرث من يتوفى من أرباب وظائفه ومباشريه وسكان أوقافه نعمة مستمرة على الدوام والاستمرار، لا يتغير حكمها ولا يندرس رسمها ولعنة الله على من يسعى في تبديله أو إبطاله فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.

.الأعيان التي كانت موقوفة على البيمارستان المنصوري:

الأعيان التي كانت محبوسة على المارستان المنصوري كثيرة وقد تغيرت معالمها وباد الكثير منها بطول الزمن وتغير الدول وكثرة القلاقل والفتن ولم يبق منها إلى اليوم إلا القليل جدا بحيث لا يكفي للقيام بالصرف على المارستان كشروط واقفه.
وسنذكر تلك الأعيان التي كانت موقوفة ومكان وجودها، نقلا عن مؤرخي ذلك العصر للدلالة على ما كان عليه المارستان من الشهرة والعظمة. ولقد يأتي الكثير من ذلك أيضا عندما ننقل القسم الخيري من الوقفية الأصلية.
فمن الأوقاف بمدينة الفسطاط:
1 - قيسارية الصبانة بالفسطاط: هذه القسارية من الأوقاف المنصورية قلاوون على مصالح البيمارستان المنصوري بالقاهرة.
2 - فندق الملك السعيد بالفسطاط وهو فندق كبير يعلوه ربع كبير عمر في أيام الملك السعيد محمد بن بركة خان ثم ملكه قلاوون الألفي وهو اليوم أي في زمن المؤرخ ابن دقماق المتوفى سنة 809 وقف على المارستان المنصوري وكراؤه في كل شهر نحو الألفي درهم.
وبالقاهرة:
3 - حمام الساباط قال ابن عبد الظاهر: كان في القصر باب يعرف بباب الساباط كان الخليفة في العبد يخرج منه إلى الميدان وهو الحرنشف الخرنفس الآن إلى المنحر لتنحر فيه الضحايا ويعرف هذا الحمام في زماننا أي زمن المقريزي المتوفى سنة 849هـ 1441م بحمام المارستان المنصوري وهذا الحمام هو حمام القصر الصغير الغربي ويعرف أيضا بحمام الصنيمة فلما زالت الدولة الفاطمية من القاهرة، بيع هذا الحمام جملة مرار فلما تملكه الملك المنصور قلاوون وأنشأ المارستان الكبير المنصوري صارت فيما بعد فيما هو موقوف عليه وهي الآن من أوقافه.
4 - قيسارية المحلى وقيسارية الضيافة وقف المارستان المنصوري.
5 - قيسارية الفاضل هذه القيسارية على يمنة من يدخل من باب زويلة عرفت بالقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني وهي الآن في أوقاف المارستان المنصوري.
6 - سوق القفيصات بصيغة الجمع والتصغير جمع قفص فإنه كان معدا لجلوس أناس على تخوت تجاه شبابيك القبة المنصورية وفوق تلك التخوت أقفاص صغار من حديد مشبك، فيها الطرائف من الخواتيم والفصوص وأساور النسوان وخلاخيلهن وغير ذلك وهذه الأقفاص يأخذ أجرة الأرض التي عليها مباشرة المارستان المنصوري.
7 - سوق الكتبيين: أحدثت بعد سنة 700 يحيط بها سوق الأمشاطيين وسوق النقليين وهما بين المدرسة الصالحية والصاغة وجميع ذلك جار في أوقاف المارستان المنصوري.

.صورة من حال البيمارستان المنصوري في بعض عصوره:

.بعض من تولى النظر على البيمارستان:

إن السلطان قلاوون حينما أوقف البيمارستان جعل النظر عليه في حياته لنفسه ثم لأولاده من بعده ثم من بعدهم لحاكم المسلمين الشافعي.
وسنأتي في هذا الفصل بذكر بعد الذين تولوا النظر على البيمارستان في عصور مختلفة من حياته، لبيان ما كان عليه البيمارستان من المكانة والعظمة، فممن تولى النظر عليه:
1 - علي بن عبد الواحد بن أحمد بن الخضر الشيخ علاء الدين الحلبي نزيل دمشق، كان شيخا كبيرا متميزا من رؤساء الدولة الناصرية خدم في الجهات وولى نظر البيمارستان المنصوري وغيره وتوفي سنة 697هـ.
2 - محمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن عثمان الشيخ شمس الدين أبو عبد الله بن الفاضل نور الدين أبي الحسن البدرشي ثم القاهري المولود بالقاهرة سنة 788هـ اختص بجاني بك الصوفي وباشر البيمارستان في أيامه وعر كلامه وعظم أمره، مات يوم الاثنين في 17 شوال سنة 846هـ.
3 - محمود بن محمد بن علي بن عبد الله قاضي القضاة جمال الدين أبو الثناء القيصري الرومي الأصل العجمي الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية وناظر جيوشها وشيخ الشيخونية، باشر عدة وظائف كالتدريس في الصرغتمشية وغيرها والخطابة بمدرسة السلطان برقوق ونظر البيمارستان المنصوري توفي ليلة الأحد في 7 ربيع الأول سنة 799.
4 - علي بن عبد الله بن محمد الأمير علاء الدين بن الطبلاوي نسبة إلى قرية بالمنوفية بالوجه البحري تسمى طبلاه، نشأ بالقاهرة من جملة العوام إلى أن مات عمه بهاء الدين الطبلاوي وكان تاجرا بقيسارية جهاركس بالقاهرة وله مال فورته بنو عمه علي هذا وغيره، فلما صار متمولا سعى إلى أن صار مشدَّ القصر السلطاني بقلعة الجبل، ثم ولي البيمارستان المنصوري، ولا يزال يتقرب عند الملك الظاهر برقوق حتى أدخله في غالب أشغاله وصار له كلمة في الدولة ثم غضب عليه السلطان لأمور صدرت منه ثم نفي إلى الكرك وقتل بغزة سنة 802هـ.
5 - محمد بن أحمد بن عبد الملك القاضي شمس الدين الدميري المالكي ولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين ثم ولي بعد ذلك غير مرة، وولي نظر الأحباس ونظر البيمارستان المنصوري وقضاء العسكر على مذهب الإمام مالك رضى الله عنه. ولم يزل ينتقل في الوظائف إلى أن توفي يوم الاثنين 9 رمضان سنة 813هـ.
6 - علي بن مفلح القاضي نور الدين ناظر البيمارستان المنصوري ووكيل بيت المال بالأطباق بالقلعة وعد من رؤساء الناس وتوفي يوم الجمعة 12 ذي الحجة سنة 841هـ.
7 - محمد بن محمد بن محمد بدر الدين بن شمس الدين الدميري ثم القاهري، كان جده ناظر البيمارستان وولي الحسبة واستمر هذا في مشارفة المارستان، مات في رمضان سنة 846هـ.
8 - محمد بن محمد بدير بن بدر الدين العباسي المعروق بالعجمي زوج أخت البدر الدميري ورفيقه في مشارفة البيمارستان مات في شوال سنة 846هـ.
9 - في يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الآخر سنة 850 استقر المولوي السفطي في نظر البيمارستان المنصوري بعد عزل المحبي ابن الأشقر ولبس الخلعة لذلك، وفي يوم الخميس خامس ربيع الآخر انقض الأمر وألبس المحبي خلعة الاستمرار في اليوم المذكور.
10 - في يوم الأربعاء سلخ شهر ذي الحجة 851هـ طلع القاضي الشافعي إلى السلطان بأربعة عشر ألف دينار من حاصل البيمارستان، فعرضها عليه فشكره على ذلك، وغفل عن كونه لم يعمل فيه بمراد الواقف بل حجر في تنزيل المرضى وغيره وأمر بمسح دهاليزه وكنسه وعدم التمكين من المشي فيه بالنعال حتى أنشدني الشيخ أبو عبد الله الراعي لنفسه:
مرستانكم يشكو الخلاء وما به من الكنس والمسح الذي ليس ينفع

وناظره إذ جار في حكمه له فيمنعه المرضى ومع ذا يجعجع

بتعميره قفرا مضيعا فياله خليا من المرضى ولكن مقرقع

أواوينه مأوى الكلاب لتعجبوا ولا رمد فيها ولا متوجع

وبلدتنا مملوءة من مريضنا فلا عينه تهمي ولا القلب يخشع

يمشي مريض العين بالباب حافيا فويق بلاط صار للعين يقلع

فنسأل ربي أن يفرج كربنا ويرحم مرضانا وذو الجور يرفع

11 - في يوم الاثنين 3 جمادى الآخرة سنة 845هـ خلع علي الشرفي الأنصاري باستقراره في نظر البيمارستان والخانقاه الصلاحية سعيد السعداء والجوالي والكسوة ووطالة بيت المال.
12 - محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج القاضي ولي الدين السفطي المولود سنة 790هـ قرره السلطان في نظر البيمارستان المنصوري سنة 849هـ فازداد وجاهة وعزا واجتهد في عمارته وعمارة أوقافه والحث على تنمية مستأجراته وسائر جهاته حتى الأحكار وما نسب إليه من الآثار مع التضييق على مباشرته والتحري في المريض المنزل فيه بحيث زاد على الحد وقل من المرضى فيه العدد، وتحامى الناس المجيء إليه بأنفسهم أو بمرضاتهم، فصار بذلك مكنوسا ممسوحا. ومنع الناس من المشي فيه إلا حفاة وحجر في طل ما أشرت إليه غاية التحجير فاجتمع في الوقف بسبب هذا كله من الأموال ما يفوق الوصف وفيه نوع شبه بما سلكه الشمس محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري في المارستان أيضا وإن لم يبلغ حد صاحب الترجمة ولا كاد وقد تعرض لصنيعه في ذلك أبو عبد الله الراعي في نظمه كما سيأتي.
13 - في شهر صفر من سنة 901هـ خلع علي الأتابكي تمراز وقرر في نظر البيمارستان المنصوري، فتوجه إلى هناك في موكب حافل وسلطان العصر في ذلك الوقت الملك الأشرف أبو النصر قايتباي المحمودي الظاهري.
14 - في شوال سنة 908هـ خلع علي معين الدين شمس وقرر في وكالة بيت المال ونظر البيمارستان المنصوري فعظم أمره جدا.
15 - في سنة 923هـ في حكم السلطان سليم المعروف بابن عثمان خلع المقر السيفي ملك الأمراء خاير بك بن بلباس نائب السلطنة بالديار المصرية علي الزيني بركات بن موسى وقرره مدير المملكة وناظر الحسبة الشريفة وناظر البيمارستان المنصوري إلخ.

.الثقة بالبيمارستان المنصوري:

للدلالة على ما كان للبيمارستان المنصوري من الثقة في نفوس الناس نذكر بعض الذين عولجوا به من أكابر العلماء ومشاهير الوقت منهم:
1 - عثمان بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن يوسف قاضي القضاة فخر الدين المعروف بابن خطيب جبرين قاضي حلب مولده في ربيع الآخر سنة 662هـ بالحسينية بالقاهرة مرض بالبيمارستان المنصوري ومات به سنة 738هـ.
2 - زين الدين أبو يحيى زكريا الأنصاري رأس القضاء الشافعي توفي سنة 926هـ بالبيمارستان بالقاهرة.
ونكتفي بهذين الاسمين خشية الإطالة.